المثل الأعلى والأسوة الحسنة صلى الله عليه وسلم
صفحة 1 من اصل 1
المثل الأعلى والأسوة الحسنة صلى الله عليه وسلم
ستظل سيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على مدى الأجيال والقرون ،
وحتى يرث الله الأرض ومن عليها نبراساً للمسلمين ، يضيء لهم حياتهم
وأعمالهم ، فقد كانت تطبيقاً كريماً لمنهج الله الذي جاء به القرآن الكريم ،
ونوراً هادياً لكل أمة تريد أن تصل إلى الحياة الكريمة على هذه الأرض ..
فحيث
نظرت في وقائع حياته ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسيرته ، وتوجيهاته وتعاليمه ،
تجد المثل الأعلى والقدوة الحسنة ، التي تضيء لك الطريق والحياة ، وتأخذ
بيدك إلى الطمأنينة والسعادة ، وصدق الله تعالى حيث قال: { لَقَدْ كَانَ
لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو
اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }(الأحزاب:21) ..
قال ابن كثير: " هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، في أقواله وأفعاله وأحواله " .
لقد كانت حياة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حافلة بالبذل والعطاء،
والدروس والعبر، ووصلت إلينا كاملة بأدق تفاصيلها ، كأنما نرى الرسول ـ صلى
الله عليه وسلم ـ ونسمعه في مختلف وقائع حياته ، قائمًا ونائماً ، وعابدًا
وقائداً ، وأباً وزوجا ، ومربياً ومعلما .فقد جمع الله له بين الدعوة
والدولة ، والرسالة والقيادة ، والتبليغ والحكم ، وهو ما لم يتحقق لنبي من
قبل ..
وقد أُعْطِىَ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما لم يعط رسول سبقه
، فجاء الأنبياء برسالتهم إلى قومهم ، وبُعِث ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى
الناس كافة ، وختمت به رسالات السماء فلا نبي بعده ، فعن أبي هريرة ـ رضي
الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( إن مثلي ومثل
الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية ،
فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون : هلا وُضِعت هذه اللبنة ؟، قال :
فأنا اللبنة ، وأنا خاتم النبيين )(البخاري) ..
وقد أُعْطِىَ الأنبياء
معجزات حسية تتناسب مع عصرهم وبيئتهم ، أما النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ
فقد أعطى ـ بجانب المعجزات الحسية الكثيرة ـ القرآن الكريم، المعجزة
الباقية الخالدة إلى يوم القيامة ..
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال:
قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله
آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إليَّ ، فأرجو أن
أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة )(البخاري) ..
وتكفل الله بحفظ هذا
القرآن ولم يكل حفظه إلى أحد من خلقه كما قال تعالى : { إِنَّا نَحْنُ
نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }(الحجر:9) ..
فلم تنله يد التحريف والتغيير ، بخلاف غيره من الكتب السابقة .
وكرَّم
الله تبارك وتعالى أمة نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأحل لهم كثيراً مما
شُدِّد على من قبلهم ، ولم يجعل عليهم في الدين من حرج ، ورفع عنهم
المؤاخذة بالخطأ والنسيان ، وما استكرهوا عليه ، وحديث النفس ، قال الله
تعالى : { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ }(الحج: من
الآية78) ، وقال : { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ
الْعُسْرَ }(البقرة: من الآية185) ، وقال تعالى : { وَيَضَعُ عَنْهُمْ
إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ }(الأعراف: من
الآية157) ..
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ـ
صلى الله عليه وسلم ـ : ( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا
عليه )(ابن ماجه) ..
وإذا ذهبنا ننظر ونقطف بعض جوانب الأسوة القدوة في حياته فسنجد عجبا من العجب :
فكان
الحلم والاحتمال ، والعفو عند المقدرة ، والصبر على المكاره ، صفاتٌ أدبه
الله بها .. وكل حليم قد عُرِفت منه زلة ، وحفظت عنه هَفْوَة ، ولكنه ـ صلى
الله عليه وسلم ـ لم يزد مع كثرة الأذى إلا صبرا ، وعلى إسراف الجاهل إلا
حلما ..
قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ : ( ما خُيِّر رسول الله ـ صلى
الله عليه وسلم ـ بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً ، فإن كان
إثما كان أبعد الناس عنه ، وما انتقم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
لنفسه في شيء قط , إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم بها لله )(البخاري) .
وكان
أعدل الناس وأعفهم ، وأصدقهم لهجة ، وأعظمهم أمانة ، اعترف له بذلك أصحابه
وأعداؤه ، وكان يسمي قبل نبوته " الصادق الأمين " ، ويُتَحاكم إليه في
الجاهلية قبل الإسلام ..
وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ : " كان النبي ـ صلى
الله عليه وسلم ـ أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس ، لقد فزع أهل
المدينة ليلة فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم
ـ راجعا قد سبقهم إلى الصوت واستبرأ الخبر على فرس لأبي طلحة عرى ، والسيف
في عنقه وهو يقول : لن تراعوا ، لن تراعوا " .
وقال على ـ رضي الله عنه
ـ : كنا إذا حمى أو اشتد البأس ، واحمرت الحدق ، اتقينا برسول الله ـ صلى
الله عليه وسلم ـ ، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه ، ولقد رأيتني يوم بدر
ونحن نلوذ برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو أقربنا إلى العدو وكان
من أشد الناس يومئذ بأسا ..
وعندما وَجَد رجلاً يرتعد بين يديه قال له ـ
صلى الله عليه وسلم ـ: ( هون عليك، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد
بمكة )(ابن ماجه) ..
وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا أقبل جلس حيث
ينتهي به المجلس ، وكان يمد طرف رداءه لحليمة السعدية لتجلس عليه ، ويضع
وسادته لضيفه ويجلس هو على الأرض ، وكان إذا لقيه أحد من أصحابه قام معه
فلم ينصرف حتى يكون هو الذي ينصرف . وإذا لقيه أحد فتناول يده ناوله إياها ،
فلم ينزع يده حتى يكون الآخر هو الذي ينزعها .
وكان ـ صلى الله عليه
وسلم ـ أشد الناس تواضعاً ، وأبعدهم عن الكبر، و نهى عن القيام له كما يقام
للملوك .. يجالس الفقراء ، ويجيب دعوة العبد ، ويجلس في أصحابه كأحدهم ..
وعن
أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: ( خدمت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عشر سنين ،
فما قال لي أف قط ، وما قال لشيء صنعتُه : لم صنعتَه ؟ ولا لشيء تركتُه :
لمَ تركتَه ؟ ، وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أحسن الناس
خُلُقا ، ولا مسست خزا قط ، ولا حريرا ، ولا شيئا كان ألين من كف رسول ـ
الله صلى الله عليه وسلم ـ ، ولا شممت مسكا قط ، ولا عطرا ، كان أطيب من
عرق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ )(مسلم).
وكان أوفى الناس بالعهود
، وأوصلهم للرحم ، وأعظمهم شفقة ورأفة ورحمة بالناس ، وأحسن الناس عشرة
وأدباً ، وأبعدهم من سيء الأخلاق ، لم يكن فاحشاً ولا متفحشا ً، ولا لعاناً
ولا صخابا ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح ..
يزور المريض
، ويتبع الجنائز، ويجيب دعوة المملوك ، ويقف للمرأة العجوز في الطريق ساعة
تحدثه ، وكان يساعد أهله ويؤانسهم ، فإذا جاء موعد الصلاة أسرع إليها وقال
: ( أرحنا بها يا بلال )(أحمد) .
وكان يوجه أصحابه ويعلمهم ، فيقول ـ
صلى الله عليه وسلم ـ : ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه )(ابن ماجه)
.. ويأمر الصغير باحترام وتوقير الكبير، والكبير برحمة الصغير، فيقول ـ
صلى الله عليه وسلم ـ : ( ليس منا من لم يرحم صغيرنا ، ويوقر كبيرنا
)(الترمذي) ..
أمر بالمحافظة على علاقة المسلم بأخيه ، والتعاون معه ،
والسعي في مساعدته ، وعدم إيذائه ، فقال عليه الصلاة والسلام : ( إذا كنتم
ثلاثةً فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس ، من أجل أن ذلك
يحزنه )(البخاري)، وقال : ( المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يسلمه ،
ومن كان في حاجة أخيه ، كان الله في حاجته ، ومن فرَّج عن مسلم كربة ، فرج
الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة
)(البخاري) .
غرس في أصحابه ـ والمسلمين من بعدهم ـ روح السماحة والعدل
والمساواة ، وعلمهم أن قيمة الإنسان بدينه وعمله ، وليس بحسبه ونسبه وجنسه
، فقال ـ : ( رحم الله رجلا سمحًا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى
)(البخاري) ، وقال : ( يا أيها الناس إنما ضل من كان قبلكم أنهم كانوا إذا
سرق الشريف تركوه ، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد ، وايم الله
(أقسم بالله) لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها )(البخاري) ..
وقال
ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (يا أيها الناس : إن ربكم واحد ، وإن أباكم واحد ،
ألا لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي ، ولا لأحمر على أسود ،
ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ
أَتْقَاكُمْ }(الحجرات: من الآية13) ، ألا هل بلغت ؟ ، قالوا : بلى يا رسول
الله ، قال : فيبلغ الشاهد الغائب )(أحمد) .. وقال ـ صلى الله عليه وسلم
ـ: ( من بطأ به عمله ، لم يسرع به نسبه )(مسلم) ..
وهكذا كان هديه
وحياته صلى الله عليه وسلم النبي ، منهجا ونبراسا للأمة الإسلامية ،
ومخرجاً لها من كل مؤامرات أعدائها ، وسبيلا لسعادتها وأمنها ، وطريقا
لبناء المسلم السوي والمجتمع المثالي ..
ولئن انتقل رسول الله ـ صلى
الله عليه وسلم ـ إلى جوار ربه ، فإن الله قد حفظ لنا سنته ، وأبقى سيرته
خالدة شاهدة على سمو روحه ، وكمال نفسه ، ورفعة أخلاقه ، فما على من أراد
الاقتداء به إلا مطالعتها والتأسي بها وصدق الله تعالى : { لَقَدْ كَانَ
لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو
اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }(الأحزاب:21) ..
وحتى يرث الله الأرض ومن عليها نبراساً للمسلمين ، يضيء لهم حياتهم
وأعمالهم ، فقد كانت تطبيقاً كريماً لمنهج الله الذي جاء به القرآن الكريم ،
ونوراً هادياً لكل أمة تريد أن تصل إلى الحياة الكريمة على هذه الأرض ..
فحيث
نظرت في وقائع حياته ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسيرته ، وتوجيهاته وتعاليمه ،
تجد المثل الأعلى والقدوة الحسنة ، التي تضيء لك الطريق والحياة ، وتأخذ
بيدك إلى الطمأنينة والسعادة ، وصدق الله تعالى حيث قال: { لَقَدْ كَانَ
لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو
اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }(الأحزاب:21) ..
قال ابن كثير: " هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، في أقواله وأفعاله وأحواله " .
لقد كانت حياة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حافلة بالبذل والعطاء،
والدروس والعبر، ووصلت إلينا كاملة بأدق تفاصيلها ، كأنما نرى الرسول ـ صلى
الله عليه وسلم ـ ونسمعه في مختلف وقائع حياته ، قائمًا ونائماً ، وعابدًا
وقائداً ، وأباً وزوجا ، ومربياً ومعلما .فقد جمع الله له بين الدعوة
والدولة ، والرسالة والقيادة ، والتبليغ والحكم ، وهو ما لم يتحقق لنبي من
قبل ..
وقد أُعْطِىَ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما لم يعط رسول سبقه
، فجاء الأنبياء برسالتهم إلى قومهم ، وبُعِث ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى
الناس كافة ، وختمت به رسالات السماء فلا نبي بعده ، فعن أبي هريرة ـ رضي
الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( إن مثلي ومثل
الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية ،
فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون : هلا وُضِعت هذه اللبنة ؟، قال :
فأنا اللبنة ، وأنا خاتم النبيين )(البخاري) ..
وقد أُعْطِىَ الأنبياء
معجزات حسية تتناسب مع عصرهم وبيئتهم ، أما النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ
فقد أعطى ـ بجانب المعجزات الحسية الكثيرة ـ القرآن الكريم، المعجزة
الباقية الخالدة إلى يوم القيامة ..
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال:
قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله
آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إليَّ ، فأرجو أن
أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة )(البخاري) ..
وتكفل الله بحفظ هذا
القرآن ولم يكل حفظه إلى أحد من خلقه كما قال تعالى : { إِنَّا نَحْنُ
نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }(الحجر:9) ..
فلم تنله يد التحريف والتغيير ، بخلاف غيره من الكتب السابقة .
وكرَّم
الله تبارك وتعالى أمة نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأحل لهم كثيراً مما
شُدِّد على من قبلهم ، ولم يجعل عليهم في الدين من حرج ، ورفع عنهم
المؤاخذة بالخطأ والنسيان ، وما استكرهوا عليه ، وحديث النفس ، قال الله
تعالى : { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ }(الحج: من
الآية78) ، وقال : { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ
الْعُسْرَ }(البقرة: من الآية185) ، وقال تعالى : { وَيَضَعُ عَنْهُمْ
إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ }(الأعراف: من
الآية157) ..
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ـ
صلى الله عليه وسلم ـ : ( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا
عليه )(ابن ماجه) ..
وإذا ذهبنا ننظر ونقطف بعض جوانب الأسوة القدوة في حياته فسنجد عجبا من العجب :
فكان
الحلم والاحتمال ، والعفو عند المقدرة ، والصبر على المكاره ، صفاتٌ أدبه
الله بها .. وكل حليم قد عُرِفت منه زلة ، وحفظت عنه هَفْوَة ، ولكنه ـ صلى
الله عليه وسلم ـ لم يزد مع كثرة الأذى إلا صبرا ، وعلى إسراف الجاهل إلا
حلما ..
قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ : ( ما خُيِّر رسول الله ـ صلى
الله عليه وسلم ـ بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً ، فإن كان
إثما كان أبعد الناس عنه ، وما انتقم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
لنفسه في شيء قط , إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم بها لله )(البخاري) .
وكان
أعدل الناس وأعفهم ، وأصدقهم لهجة ، وأعظمهم أمانة ، اعترف له بذلك أصحابه
وأعداؤه ، وكان يسمي قبل نبوته " الصادق الأمين " ، ويُتَحاكم إليه في
الجاهلية قبل الإسلام ..
وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ : " كان النبي ـ صلى
الله عليه وسلم ـ أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس ، لقد فزع أهل
المدينة ليلة فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم
ـ راجعا قد سبقهم إلى الصوت واستبرأ الخبر على فرس لأبي طلحة عرى ، والسيف
في عنقه وهو يقول : لن تراعوا ، لن تراعوا " .
وقال على ـ رضي الله عنه
ـ : كنا إذا حمى أو اشتد البأس ، واحمرت الحدق ، اتقينا برسول الله ـ صلى
الله عليه وسلم ـ ، فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه ، ولقد رأيتني يوم بدر
ونحن نلوذ برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو أقربنا إلى العدو وكان
من أشد الناس يومئذ بأسا ..
وعندما وَجَد رجلاً يرتعد بين يديه قال له ـ
صلى الله عليه وسلم ـ: ( هون عليك، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد
بمكة )(ابن ماجه) ..
وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا أقبل جلس حيث
ينتهي به المجلس ، وكان يمد طرف رداءه لحليمة السعدية لتجلس عليه ، ويضع
وسادته لضيفه ويجلس هو على الأرض ، وكان إذا لقيه أحد من أصحابه قام معه
فلم ينصرف حتى يكون هو الذي ينصرف . وإذا لقيه أحد فتناول يده ناوله إياها ،
فلم ينزع يده حتى يكون الآخر هو الذي ينزعها .
وكان ـ صلى الله عليه
وسلم ـ أشد الناس تواضعاً ، وأبعدهم عن الكبر، و نهى عن القيام له كما يقام
للملوك .. يجالس الفقراء ، ويجيب دعوة العبد ، ويجلس في أصحابه كأحدهم ..
وعن
أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: ( خدمت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عشر سنين ،
فما قال لي أف قط ، وما قال لشيء صنعتُه : لم صنعتَه ؟ ولا لشيء تركتُه :
لمَ تركتَه ؟ ، وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أحسن الناس
خُلُقا ، ولا مسست خزا قط ، ولا حريرا ، ولا شيئا كان ألين من كف رسول ـ
الله صلى الله عليه وسلم ـ ، ولا شممت مسكا قط ، ولا عطرا ، كان أطيب من
عرق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ )(مسلم).
وكان أوفى الناس بالعهود
، وأوصلهم للرحم ، وأعظمهم شفقة ورأفة ورحمة بالناس ، وأحسن الناس عشرة
وأدباً ، وأبعدهم من سيء الأخلاق ، لم يكن فاحشاً ولا متفحشا ً، ولا لعاناً
ولا صخابا ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح ..
يزور المريض
، ويتبع الجنائز، ويجيب دعوة المملوك ، ويقف للمرأة العجوز في الطريق ساعة
تحدثه ، وكان يساعد أهله ويؤانسهم ، فإذا جاء موعد الصلاة أسرع إليها وقال
: ( أرحنا بها يا بلال )(أحمد) .
وكان يوجه أصحابه ويعلمهم ، فيقول ـ
صلى الله عليه وسلم ـ : ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه )(ابن ماجه)
.. ويأمر الصغير باحترام وتوقير الكبير، والكبير برحمة الصغير، فيقول ـ
صلى الله عليه وسلم ـ : ( ليس منا من لم يرحم صغيرنا ، ويوقر كبيرنا
)(الترمذي) ..
أمر بالمحافظة على علاقة المسلم بأخيه ، والتعاون معه ،
والسعي في مساعدته ، وعدم إيذائه ، فقال عليه الصلاة والسلام : ( إذا كنتم
ثلاثةً فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس ، من أجل أن ذلك
يحزنه )(البخاري)، وقال : ( المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يسلمه ،
ومن كان في حاجة أخيه ، كان الله في حاجته ، ومن فرَّج عن مسلم كربة ، فرج
الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة
)(البخاري) .
غرس في أصحابه ـ والمسلمين من بعدهم ـ روح السماحة والعدل
والمساواة ، وعلمهم أن قيمة الإنسان بدينه وعمله ، وليس بحسبه ونسبه وجنسه
، فقال ـ : ( رحم الله رجلا سمحًا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى
)(البخاري) ، وقال : ( يا أيها الناس إنما ضل من كان قبلكم أنهم كانوا إذا
سرق الشريف تركوه ، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد ، وايم الله
(أقسم بالله) لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها )(البخاري) ..
وقال
ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (يا أيها الناس : إن ربكم واحد ، وإن أباكم واحد ،
ألا لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي ، ولا لأحمر على أسود ،
ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ
أَتْقَاكُمْ }(الحجرات: من الآية13) ، ألا هل بلغت ؟ ، قالوا : بلى يا رسول
الله ، قال : فيبلغ الشاهد الغائب )(أحمد) .. وقال ـ صلى الله عليه وسلم
ـ: ( من بطأ به عمله ، لم يسرع به نسبه )(مسلم) ..
وهكذا كان هديه
وحياته صلى الله عليه وسلم النبي ، منهجا ونبراسا للأمة الإسلامية ،
ومخرجاً لها من كل مؤامرات أعدائها ، وسبيلا لسعادتها وأمنها ، وطريقا
لبناء المسلم السوي والمجتمع المثالي ..
ولئن انتقل رسول الله ـ صلى
الله عليه وسلم ـ إلى جوار ربه ، فإن الله قد حفظ لنا سنته ، وأبقى سيرته
خالدة شاهدة على سمو روحه ، وكمال نفسه ، ورفعة أخلاقه ، فما على من أراد
الاقتداء به إلا مطالعتها والتأسي بها وصدق الله تعالى : { لَقَدْ كَانَ
لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو
اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }(الأحزاب:21) ..
saidou23- نائب المدير
- عدد المساهمات : 125
نقاط : 24195
تاريخ التسجيل : 24/09/2011
مواضيع مماثلة
» حلم النبي صلى الله عليه وسلم
» حقوق الخدم في سنة النبي صلى الله عليه وسلم
» صور قبر المختار الثقفي صلاوات الله عليه ناصر الحسين عليه افضل السلام
» تسميه امير المومنين علي ابن ابي طالب عليه افضل الصلاه والسلام بيعسوب الدين وامير النحل
» حقوق الخدم في سنة النبي صلى الله عليه وسلم
» صور قبر المختار الثقفي صلاوات الله عليه ناصر الحسين عليه افضل السلام
» تسميه امير المومنين علي ابن ابي طالب عليه افضل الصلاه والسلام بيعسوب الدين وامير النحل
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى